فيما يبدو أنها ثورة داخلية تكشف الأوضاع داخل جماعة الإخوان المسلمين, خاصة بعد مرور أكثر من مائة يوم على الثورة المصرية التي توقَّع البعض أن تغير ملامح الشارع السياسي, وأن تتحول معها الأحزاب والقوى السياسية في برامجها وأطروحاتها المختلفة, وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن جماعة الإخوان استثمرت الحرية التي أوجدتها ثورة 25 يناير, وأطلقت المعسكرات والرحلات, ونظمت الندوات, وصرح قياديو الجماعة بأن الشارع هو الحكم على الجماعة, وأنهم سيقدمون خدماتهم للناس بعيدًا عن "الحظر القانوني" للجماعة,
يرى آخرون أن الثورة المصرية أنتجت الحرية التي جعلت القوى السياسية المختلفة تنطلق لتعلن عن أفكارها بحرية وتقدم البدائل بعيدًا عن الحزب الوطني المنحل, أو الجماعة الدينية المنحلة هي أيضًا والتي توجه لها الاتهامات طوال الوقت باستغلال الشعارات الدينية للترويج لمشروع سياسي في المقام الأول, كما يتوقع هؤلاء أن تنهي الثورة حالة الانتفاخ التي أصابت الجماعة كذلك لغة الاستعلاء واستعراض القوى على الأحزاب الأقل تنظيمًا.
ربما تبدو الصورة في داخل الجماعة أكثر وضوحًا, ذلك أن شباب الجماعة الذين تربّوا على مبدأ "سمعًا وطاعة", قد كفروا بأوامر القيادات التي فضلت أن تنتظر لترى أين تتجه الثورة في ميدان التحرير, حتى تتخذ قرارًا مناسبًا, في نفس الوقت الذي فجّر فيه القيادي بالجماعة سابقًا المهندس هيثم أبو خليل مفاجأة حين اتهم الجماعة بمساومة النظام أثناء الثورة.
شباب الإخوان وحزب الحرية والعدالة
وعرض المحامي صبحي صالح وعدد من قيادات الجماعة على الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب في نظام مبارك, صفقة الانسحاب من الثورة في مقابل أن يمنح مبارك للإخوان جمعية وحزبًا, في الوقت ذاته, كان بعض شباب الجماعة يقف في اليوم الأول من الثورة في ميدان التحرير, يرفض وجود مبارك ويهتف بإسقاط مبارك, وحينما أسقط الشعب الرئيس المخلوع, آمن الشباب في هذه اللحظة بقوة إرادته كما آمن بنفسه وصوته وحريته في اتخاذ القرارات.
وفي مؤتمر شباب الإخوان الذين نظموه تحت اسم "رؤية جديدة من الداخل", طالبوا فيه مكتب إرشاد الجماعة بالتراجع عن حظر انضمام أفراد الإخوان إلى أحزابٍ أخرى غير الحرية والعدالة، مطالبين بترك الباب مفتوحًا أمام الجميع للانضمام لأي حزب سياسي طالما لا يختلف مع مبادئ الإسلام, كما أوصوا بضرورة انتخاب كافة أعضاء الهيئة التأسيسية للحزب، على ألا تقل نسبة الشباب عن 30% والمرأة عن 25 % والأقباط عن 10%، لتقوم هذه الهيئة بصياغة لوائح "الحرية والعدالة" وبرنامجه وانتخاب رئيسه.
وقتها قام الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية, بالتضامن مع الشباب مشدِّدًا على ضرورة عدم تبعية الحزب للجماعة واستقلاليته التامة، كما طالب بضرورة تراجع القيادات التي صرحت بعدم جواز الانضمام لأحزاب أخرى منوهًا على أهمية ترك الباب مفتوحًا أمام الجميع للعمل حزبيًّا بشكل منفصل عن الجماعة، على أن تبقى الأخيرة بأنشطتها ودورها دون التنافس على السلطة عبر حزب سياسي بعينه.
حزب التيار المصري
لكنها كانت أضغاث أحلام, فبعيدًا عن كون مكتب إرشاد رفض المؤتمر وتصريحات الشباب, أطلقت الجماعة حزبها واختارت رئيس الحزب وأمينه العام, وتحكَّمت في اختيار أمناء المحافظات, لكنها حين فعلت ما فعلته بقيادة المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع, لم تدرك خطورة الموقف, فحين قام المرشد بتوجيه اتهامات شديدة محذرًا أعضاء الجماعة من الانضمام لأي حزب آخر, وأن ذلك سيكون نتيجته الفصل, استمر العديد من أعضاء الجماعة والمنتمين إليها فكريًّا، خاصة من جيل الشباب، في العمل على تدشين أحزاب أخرى جديدة بعيدة عن «الحرية والعدالة» الرسمي، الذين اعتبروه "غير مستقل" عن الجماعة, ويدشن عدد من قيادات جبهة المعارضة بجماعة الإخوان حزبًا جديدًا أطلقوا عليه اسم "الريادة"، ليصبح خامس حزب يخرج من رحم جماعة الإخوان، بعد أحزاب: الحرية والعدالة الرسمي، الذي أسسته الجماعة منذ شهر تقريبًا، وحزب النهضة الذي يعمل الدكتور إبراهيم الزعفراني، القيادي الإخواني المستقيل من الجماعة، على تأسيسه وجمع التوكيلات اللازمة له، وحزب التيار المصري الذي يؤسِّسه عدد من شباب الإخوان بائتلاف شباب الثورة، وأخيرًا حزب الإصلاح والتنمية الذي يؤسِّسه المهندس حامد الدفراوي، القيادي بجبهة المعارضة الإخوانية.
وبينما يصرح الدكتور محمود حسين، الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين، أن كل من سينتمي لحزب آخر عليه أن يختار بين الحزب والإخوان، فلو أصر على الحزب فإما أن يتقدم باستقالته طواعية أو سيتم فصله, مؤكدًا أن المكاتب الإدارية للجماعة ستحقق مع أي عضو من أعضائها غير الملتزمين بقرار مكتب الإرشاد.
أسباب استقالة هيثم أبو خليل وفضيحة الإخوان
كما ينفي أن هناك تقارير إعلامية تحدثت عن تجميد عضوية 4 آلاف عضو، وتابع: "الشباب الذين خالفوا قرار الجماعة لا يتعدون أصابع اليدين معًا", قال شباب الجماعة إنهم لا يرغبون في ترك الجماعة على الرغم من احتمالية فصلهم بسبب دخولهم في أحزاب أخرى، لكنهم يرون أن طريقة بناء حزب «الحرية والعدالة» طريقة خاطئة، لذلك رفض الكثير الانطواء تحت لوائه، وتوقَّع الشباب خروج المزيد من الأحزاب من رحم الجماعة في الأيام القادمة, وأوضح عدد من المنشقين عن الجماعة أن كثرة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية هي في صالح الحياة السياسية، وستثري العمل العام, خاصة أن هذه الأحزاب الجديدة ليست إخوانية خالصة بل تضم شبابًا من جميع فئات المجتمع وذات خلفيات سياسية متنوعة.
للمزيد خمسة أحزاب جديدة تهدِّد حزب "الحرية والعدالة" وتفضح ديكتاتورية المرشد.. الإخوان المسلمون والطريق إلى الهاوية السياسية يبدأ بالانشقاقات ولا تنقذه تحالفات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
لادراج تعليق :-
اختر " الاسم/عنوان url " من امام خانة التعليق بأسم ثم اكتب اسمك ثم استمرار ثم التعليق وسيتم نشرة مباشرة