رغم حالة الصخب الهائلة التي أحاطت بعائلة الرئيس مبارك، وضرورة محاكمته هو وزوجته وأولاده بسبب تجريفهم ونهبهم لأموال مصر، إلا أن ما جاء في أوراق القضية رقم 3642 لسنة 2011 جنايات قصر النيل، والمقيدة برقم 1 لسنة 2011 حصر تحقيق المكتب الفني للنائب العام، لا يبشر بأي خير. في أوراق هذه القضية التي وصلت إلى ما يزيد على ألف صفحة توقفت عند محطتين، الأولى هي البلاغات التي قدمها مواطنون ومحامون ومراكز حقوقية ضد مبارك وعائلته كاشفين فيها كما يعتقدون ممتلكات وأرصدة وعقارات عائلة الرئيس، ثم محضر التحريات الذي أعدته الرقابة الإدارية عما جاء في هذه البلاغات، وحرصت أن تضع كلمة سري جدا أعلى كل صفحة.
الانطباع الأول الذي يسيطر عليك وأنت تطالع هذه الأوراق، أن كل الأطراف لم تكن جادة فيما قامت به بما يكفي، فلا الذين قدموا البلاغات كانوا جادين في البحث وتقديم المستندات والوثائق التي تؤكد اتهاماتهم اكتفوا فقط بما نشرته الصحف، ولا من قاموا بالتحريات كانوا جادين أو حاولوا على الأقل أن يبذلوا جهدا في الوصول للمعلومات عن ثروات الرئيس مبارك.
وصل عدد البلاغات التي قدمت ضد مبارك وعائلته 24 بلاغًا فقط – من شدة الصخب كنت أعتقد أن هناك مئات البلاغات التي قدمت - وحملت اتهامات عديدة وصلت تحديدًا إلى 19 اتهامًا، لكن تقرير التحريات – الذي تشعر وأنت تتابع سطوره أنه أعد بلا مبالاة شديدة - نسف كل الاتهامات، وهو ما يجعل كل ما قيل ونشر مجرد وهم.
الجهات الرقابية والأمنية فحصت 20 بلاغًا فقط واستبعدت أربعة لعدم جديتها، وجاءت نتيجة الفحص كالتالي.
أولاً: بشأن ما ورد من أن ثروة أسرة مبارك تقدر بحوالي 70 مليار دولار، فلم تتوصل التحريات إلى وجود هذه المبالغ لدى البنوك الوطنية، في حين توصلت التحريات إلى وجود حسابات وودائع باسم الرئيس وأسرته بالبنك الأهلى والبنك الأهلى سوستيه جنرال وبعض صناديق الاستثمار المملوكة للبنك الأهلي.
ثروة مبارك لن تصدق وخطر حقيقي علي مصر
(هامش: أمر من قام بالتحريات غريب بالفعل، فهل قال أحد إن السبعين مليار في البنوك الوطنية، لقد كانت إشارات الصحف العالمية إلى أن الأرصدة في الخارج وليست في الداخل، ثم إن مبارك وزوجته وأولادهما كشفوا عن حساباتهم الداخلية لأنها في الحقيقة لا تعني الكثير، وعلى ما يبدو فإن من قاموا بالتحريات فعلوها على طريقة جحا الذي ذهب يبحث عن أمواله التي فقدها في شارع آخر غير الذي كان يسير فيه، لمجرد أن به إضاءة).
ثانيا: بشأن ما ورد من إمتلاك نجلى الرئيس لعقارات وقصور خارج البلاد فلم تتوصل التحريات لأى معلومات بهذا الشأن.
(هامش: لم يقل لنا من قاموا بالتحريات، ماذا فعلوا بالضبط ليتأكدوا أنه لا عقارات لأبناء الرئيس في الخارج، هل خاطبوا وزارة الخارجية في هذا الشأن، هل سافر بعضهم وسأل ونقب، أم أن التحريات جرت على طريقة المخبرين، الذين يسودون المحاضر لمجرد أن ينتهوا منها بصرف النظر هل ما جاء بها حقيقي أم مجرد أكاذيب).
ثالثًا: بشأن ما ورد من شراكة نجلي الرئيس في سلسلة مطاعم تشيلز المملوكة لمنصور عامر رئيس مجلس إدارة عامر جروب فقد تبين عدم صحة ذلك.
(هامش: دعك من حكاية عدم التوصل لصاحب سلسلة مطاعم نجيندات في مصر، لكن المأساة الحقيقية أننا أمام حالة من الاستسهال، ليست ممن قاموا بالتحريات فقط ولكن من أصحاب الشركات التي كان أبناء الرئيس شركاء فيها، لقد سارعت مؤسسات كثيرة بنفي أي صلة لها بالرئيس أو عائلته، فقد أصبح الارتباط بهم عارًا وطنيًّا وخسارة مادية فادحة، لكن من يدرى كيف كانت الشراكة تتم، إنها في الغالب لم تكن شراكة، بل كانت "فردة كما يقولون" يحصل الرئيس وأولاده على ما يشاءون مقابل أن يمر رجل الأعمال بما يريده، وكان من الطبيعي أن ينفي الجميع أي صلة، لأن الكل مدان).
رابعا: بشأن ما ورد من استيلاء جمال مبارك على 75 طن ذهب من رصيد البنك المركزى وتحويلها لحسابه الخاص في أميركا، فقد تبين عدم صحة ذلك حيث أسفرت التحريات والمصادر عن عدم وجود أي عمليات سحب من رصيد الذهب بالبنك المركزى المصى منذ فترة السيد الرئيس الأسبق أنور السادات، وأشارت التحريات إلى أن أرصدة الذهب التي تم سحبها من البنك المركزى كانت أثناء فترة تولي الرئيس جمال عبد الناصر رئاسة الجمهورية وبعض المؤسسات الدولية.
تقارير الرقابة الإدارة تكشف حقائق جديدة عن ثروة مبارك
خامسا: التحريات هذه المرة ستثبت شيئًا، بعد سلسلة النفي السابقة، تقول إنه بشأن ما ورد من قيام جمال مبارك بتمثيل البنك المركزي المصري في مجلس إدارة البنك العربي الإفريقي أسفرت التحريات والمصادر عن الآتي: أن جمال يشغل عضوية مجلس إدارة البنك العربي الإفريقي الدولي ممثلا للبنك المركزي المصري من 96 إلى 2011، وأنه تقاضى خلال هذه الفترة مبالغ مالية كمكافآت وبدلات حضور بحوالي 175 ألف دولار، و65 ألف جنيه و160 ألف استرلينى.
سادسا: أثبتت التحريات كذلك شراكة جمال مبارك في شركة هيرمس للأوراق المالية بحصة قدرها 50% من رأسمال شركة بوليون المحدودة المؤسسة بقبرص والتي تساهم في رأسمال إحدى شركات مجموعة هيرمس العاملة في إدارة صناديق الاستثمار بنسبة 40%.
سابعا: عادت التحريات مرة أخرى إلى النفي، حيث نفت امتلاك أسرة الرئيس لطائرتين شخصيتين وأن الطائرة التي كان يستخدمها كانت من طراز إيرباص 320 مملوكة لرئاسة الجمهورية، وأنه لا يمتلك يختًا تصل قيمته إلى 60 مليون يورو، وأن اليخت ديسكفري المتواجد بميناء شرم الشيخ مملوك للقوات البحرية.
ثامنا: اجتهدت التحريات قليلا فأثبتت الأراضي والعقارات التي تمتلكها عائلة الرئيس.
بالنسبة لعلاء فهو يمتلك 4 قطع أرض مخصصة من جمعية أحمد عرابي التعاونية الزراعية في طريق مصر إسكندرية الصحراوي، قطعة أرض رقم 551 بحوض 8 تقسيم الجمعية ومساحتها 3 سهم وقيراطين و9 أفدنة، وقطعة أرض رقم 6000 حوض 8 تقسيم الجمعية ومساحتها 17 سهمًا و22 قيراطًا و12 فدانًا، وقطعة أرض رقم 966 حوض 8 تقسيم الجمعية ومساحتها 15 سهمًا و5 قيراط، والقطعة رقم 17 قطاع 16003 مشروع الغرود ومساحتها 2800 م، وقطعة أرض مخصصة من جمعية بين المطارين التعاونية الزراعية ببلبيس مساحتها سهمين و20 قيراطًا و21 فدانًا، وقطعة أرض مساحتها 21 سهمًا و13 قيراطًا و9 أفدنة بحوض البحيرة نمرة 5 وسابقا نمرة 11.
أما جمال مبارك فقد رصدت التحريات أنه يمتلك القطعة رقم 550 بحوض 8 ومساحته 3 أسهم و3 أقراط و9 أفدنة، وقطعة أرض مخصصة من قبل جمعية بين المطارين التعاونية الزراعية ببلبيس ومساحتها سهم و20 قيراطًا و21 فدانًا.
تاسعًا: تصل التحريات إلى العقارات لتثبت أن الرئيس مبارك وأسرته يمتلكون 5 فيلات بمنطقة الجولف بشرم الشيخ شمال خليج نعمة بمحافظة جنوب سيناء تحمل أرقام 211 و 212 و213 و214 و215، قاموا بشرائها بتاريخ 14 أكتوبر 2000 من شركة نعمة للجولف والاستثمار السياحي التي يمثلها حسين سالم بأسعار تتراوح ما بين 300 ألف جنيه إلى 500 جنيه للفيلا الواحدة.
عاشرا: قدمت التحريات في النهاية تقريرًا عما ورد في البلاغات عن وجود حسابات سرية لأسرة الرئيس مبارك ولمكتبة الإسكندرية بالبنك الأهلي المصري، وأثبتت التحريات أن هناك أرصدة بالفعل للرئيس أسرته في البنك الأهلي بالجنيه المصري، كما توجد حسابات دولارية لمكتبة الإسكندرية باسم الرئيس السابق وله حق التعامل منفردا عليها، حيث أنشئت تلك الحسابات لقبول التبرعات الواردة لإحياء مشروع مكتبة الإسكندرية، وقد تم تحويل من هذا الحساب لحساب مكتبة الإسكندرية بالبنك التجاري الدولي خلال شهر يونيو 2007.
وتعترف التحريات في الختام بالفشل، حيث تقول نصًّا: "وقد تعذَّر على الهيئة الحصول على معلومات عما أشير ببعض البلاغات من امتلاك السيد الرئيس السابق وأسرته لحسابات وودائع بالبنوك وعقارات ببعض الدول الأجنبية.
ثروة عائلة مبارك وثروة علاء هي الأكبر بينهم
(هامش أخير: هذه في النهاية تحريات عاجزة وفاشلة، والغريب أن الجهات الرقابية أو الجهات التي قامت بالتحريات عن رموز النظام السابقين استطاعت أن تحصى عليهم أنفاسهم في الداخل والخارج، واستطاعت أن تحدد كل ما يملكونه بدقة شديدة، فلماذا عجزت هذه الجهات عن حصر ممتلكات الرئيس مبارك، وهل هناك ما لا نعرفه، أم أن ما يجرى ليس إلا جزءا من مسحية عبثية، خاصة أن التحريات بهذه الصورة تحريات براءة وليست تحريات إدانة على الإطلاق).
للمزيد مفاجأة من العيار الثقيل: تقارير الرقابة الإدارية عجزت عن إثبات ممتلكات وأرصدة مبارك وعائلته في الخارج.. وكأنها تقول إنه وأسرته يستحقون الصدقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
لادراج تعليق :-
اختر " الاسم/عنوان url " من امام خانة التعليق بأسم ثم اكتب اسمك ثم استمرار ثم التعليق وسيتم نشرة مباشرة