المرأة كانت شريكا أصيلا في الثورة لكنها قد لا تكون كذلك في البرلمان |
القاهرة: أيام قليلة تفصل المصريين عن أهم وأكبر تجربة انتخابية في تاريخهم الممتد لنحو سبعة آلاف عام، ألا وهي الانتخابات البرلمانية التي تأتي في أعقاب قيامهم بثورة 25 يناير، ويطمح المصريون من وراء خوض تلك التجربة إلى بناء برلمان ديمقراطي، ووضع دستور جديد للجمهورية الثانية يساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات، ويدعم أسس الدولة المدنية.
لكن خبراء وسياسيين يرون أن قوانين الانتخابات الجديدة وإعادة تقسيم الدوائر التي وضعها المجلس العسكري مؤخراً لا تنبئ بخير في اتجاه المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع الفئات، حيث يؤكدون أنها تقلل من فرص المرأة والأقباط والشباب في الفوز بمقاعد برلمانية، نظراً لاتساع الدوائر بشكل يصعب القيام بالدعاية فيها، بالإضافة إلى العمل بنظامي القائمة النسبية والفردي في الوقت نفسه، مؤكدين أنه يخدم بالأساس القوى السياسية التقليدية وفلول النظام السابق وأصحاب المال الوفير.
لا يدعم إقامة الديمقراطية
شباب الثورة أول من سارع إلى الإعلان عن رفض القانون وتقسيم الدوائر، حيث يرون أنه لا يدعم إقامة حياة سياسية سليمة وديمقراطية.
وقال محمد فتحي عضو إتحاد ثورة مصر ل"إيلاف" إن قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر صدر من المجلس العسكري من دون التشاور مع القوى السياسية المختلفة أو شباب الثورة، مشيراً إلى أن القانون يسير على النهج نفسه الذي كان يتبعه نظام مبارك طوال ثلاثين عاماً، وأوضح أنه يحرم الفئات الأضعف من الفوز بالانتخابات، لافتاً إلى أن المرأة والأقباط والشباب لن يكون لديهم حظ في المنافسة، التي ستكون محسومة مقدماً لصالح رجال الأعمال وفلول النظام السابق والإخوان المسلمين، وهؤلاء هم الأكثر تنظيماً ويملكون أموالاً ضخمة، ولديهم عصبيات قبلية أو عائلية.
أسس خاطئة
ووفقاً لبيسان جهاد عضو إتحاد ثورة اللوتس فإن هناك أسبابا كثيرة تجعل من قانون الانتخابات لا يخدم إقامة الديمقراطية السليمة في مصر بعد الثورة، وقالت ل"إيلاف" إن الحياة السياسية في مصر بعد الثورة بنيت على أسس خاطئة، موضحة أن الأساس السليم كان يقتضي وضع الدستور أولاً، وليس إجراء الانتخابات البرلمانية أولاً، وهو المطلب الأهم لغالبية القوى السياسية الذي ما زال مرفوعاً حتى الآن.
وأشارت جهاد إلى أن القانون مزج ما بين القائمة النسبية والفردية في إجراء الانتخابات وقسم الدوائر على هذا الأساس ووسع منها بشكل يصعب معه على المرأة أو الأقباط أو الشباب القيام بالدعاية لأنفسهم، فضلاً عن أن الأخذ بالنظام الفردي يسمح لأصحاب المال من فلول النظام السابق بخوضها والفوز بمقاعد عديدة في البرلمان المقبل، ومن ثم إعادة إنتاج النظام القديم، ونبهت إلى أن الأخذ بنظام القائمة النسبية في الوقت ذاته يشجع على اندساس هؤلاء الفلول ضمن القوائم والفوز بمقاعد أيضاً.
لصالح فلول النظام السابق فقط
الشباب هم من فجروا هذه الثورة وقد لا يكون لهم حظ في البرلمان |
ويلفت أبو العز الحريري عضو مجلس أمناء الثورة إلى أن المجلس العسكري مازال يصر على الإنفراد بالقرارات المصيرية للدولة، دون مناقشة القوى السياسية فيها، وقال ل"إيلاف" إن ما يحدث جريمة في حق الثورة، حيث إنها تستحق نظاما إنتخابيا أفضل من الحالي يمنح الشباب الذين أشعلوا فتيلها فرصة التواجد في البرلمان وصياغة مستقبل البلاد والمشاركة في وضع دستورها الجديد بشكل يحافظ على مدنية الدولة وينشئ ديمقراطية تمنح الجميع حقوقهم في العمل السياسي والمناصب القيادية، مشيراً إلى أن هناك العديد من المعوقات التي تقف حائلاً أمام أن تكون الإنتخابات المقبلة معبرة عن إرادة الأمة بشكل صحيح.
وأوضح أن أول العوائق هو قانون الطوارئ، حيث سيتم إجراؤها في ظل العمل بهذا القانون، وهو قانون سيئ السمعة وضد الحريات والديمقراطية، وثاني المعوقات: الانفلات الأمني الذي يحول دون حماية الناخبين والمرشحين، ويمنع الجميع من ممارسة حقه في العمل السياسي سواء بالترشح ومخاطبة المواطنين أو التصويت، وفي الوقت نفسه هو عامل مساعد لصالح فلول النظام السابق الذين يجيدون العمل السياسي في تلك الأجواء، حيث يستخدمون البلطجية في إرهاب الناخبين ومنافسيهم وأنصارهم، وتزوير الانتخابات وإقفال الصناديق.
ويتابع الحريري: هناك أيضاً اتساع الدوائر، حيث إن إعادة تقسيمها من جديد جعل الدائرة الجديدة ضعف أو ثلاثة أضعاف الدائرة القديمة، وتصل مساحتها حالياً إلى عشرة آلاف كليومتر مربع، ما يجعل فرص المرشحين سواء من الشباب أو المرأة أو الأقباط أو مرشح جديد يخوض الانتخابات للمرة الأولى ضعيفة جداً، حيث لن يكون لهذه الفئات دراية بالدائرة، ولن يكون بمقدورها التجول فيها جميعاً، ولن يكون بمقدور تلك الفئات توفير الأموال الكافية للدعاية، وفي المقابل هناك فئات تمتلك المال والعصبية والبلطجية، هؤلاء هم الأقدر على الوصول للبرلمان المقبل، وتلك هي الكارثة، لاسيما أن هذا البرلمان هو المنوط به صياغة الدستور ونظام الحكم، ما يستلزم وضع الدستور أولاً، وتأجيل الانتخابات.
مخاوف قبطية
الأقباط كانوا هنا في ميدان التحرير وقد يكونون في البرلمان |
ولكن ماذا لو لم وضع الدستور أولاً، وأصر المجلس العسكري على إتمام الانتخابات بالنظام الحالي؟
ويرد المستشار نجيب جبرائيل رئيس الإتحاد المصري لحقوق الإنسان بالقول، إنه في هذه الحالة فإنه يجب تفعيل أو اتخاذ حزمة من الإجراءات لضمان أهمها الإشراف القضائي الكامل على العملية الانتخابية بدءا من إعلان كشوف الناخبين مروراً بالترشيح والتصويت وفرز الأصوات، فالإضافة إلى تفعيل مراقبة منظمات المجتمع المدني، والمراقبة الإعلامية مع التأكيد أنه يجب أن تعمل كل هذه الجهات معاً في الوقت نفسه. لافتاً إلى أهمية إصدار قانون الغدر لمنع من شوهوا الحياة السياسية وأفسدوها من خوض الانتخابات وإفساد الحياة السياسية بعد الثورة. مع وضع ضوابط للدعاية الانتخابية والإنفاق عليها. وأعرب جبرائيل عن خشيته من عدم تمكن الأقباط من الفوز بمقاعد تناسب عددهم في المجتمع خلال الانتخابات المقبلة.
بناء سياسي غير سليم
من جهته، يري الدكتور إبراهيم درويش الفقيه الدستوري أن البناء السياسي في مصر بعد الثورة غير سليم، وأوضح ل"إيلاف" أنه من المفترض البدء ببناء القاعدة أو الأساس، وهو هنا الدستور، ولكن أن يتم إجراء الانتخابات ثم وضع الدستور فهذا وضع مقلوب.
وأضاف درويش أن ما يجري حالياً غير دستوري، سواء قانون الانتخابات أو تقسيم الدوائر، فهو لم يعتمد على معايير جغرافية أو تعداد السكان، حيث ساوى بين المناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة والأخرى ذات الكثافة الأقل، كما أن القانون منح تمييزاً للعمال والفلاحين، ووفقاً للدستور بأن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات وأي تمييز يصبح غير دستوري. ومن ثم فإن العملية السياسية برمتها تحتاج لإعادة نظر.
مشيراً إلى أن تقسيم الدوائر يخدم مصالح فلول الحزب الوطني و"الإخوان"، وأصحاب العصبيات والأموال، إن نظام الإنتخابات الأنسب لمصر هو القائمة النسبية البسيطة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
لادراج تعليق :-
اختر " الاسم/عنوان url " من امام خانة التعليق بأسم ثم اكتب اسمك ثم استمرار ثم التعليق وسيتم نشرة مباشرة