يتحدث الفنان حسين فهمي في هذا الحوار لأول مرة بعد ثورة 25 يناير ويكشف عن سبب صمته طوال الفترة الماضية، مؤكداً أنه مؤيد للثورة من اليوم الأول ورافض أن يزايد أحد علي وطنيته،
حسين فهمي فنان مثقف وملتزم بقضايا وطنه في معظم أعماله الفنية وله آراء سياسية أعلنها في الكثير من المواقف. يري حسين فهمي أننا نعيش حالياً في حالة من الفوضي صنعها فلول النظام السابق، وأعلن أنه غير راض عن مستوي الإعلام الرسمي بعد الثورة، وكشف عن رفضه لترشيح عمرو موسي لرئاسة الجمهورية.. كما تحدث عن مستقبل العملية الفنية ورفضه الترشح لمنصب نقيب المهن التمثيلية.
> بداية.. أسألك عن رأيك فيما يحدث في مصر الآن؟
>> أحب في البداية أن أوضح أن هذه هي المرة الأولي التي أتحدث فيها لوسيلة إعلامية بعد أحداث 25 يناير، وأحب أيضاً أن أعبر عن سعادتي بأن يكون هذا الحديث لجريدة »الوفد« المحترمة التي تمثل حزباً عريقاً نملك تجاهه كل الاحترام والتقدير، خاصة أنه يرتبط في الأذهان بثورة 1919 ونحن نتحدث حالياً عن ثورة 25 يناير، فهناك إذن ربط عاطفي بداخلي ما بين الحزب والجريدة والأحداث الحالية.
أيضاً أود في البداية أن أوجه التحية لأرواح شهداء 25 يناير وأيضاً شهداء مصر كلهم منذ عام 1952 لأنني في الحقيقة أري أن ما حدث هو انهيار للجمهورية الأولي التي استمرت منذ عام 1952 فإذا كان الجميع يتحدث عن الثلاثين عاماً الأخيرة، وأنا أري أنهم جزء من فترة حكم استمرت 60 عاماً وانهارت تماماً بعد أحداث 25 يناير.. لذا فالتحية واجبة لأرواح كل الشهداء الذين مهدوا الطريق لقيام ثورة يناير.
> إذن.. أنت تراها جمهورية واحدة؟
>> بالطبع هي جمهورية واحدة بنفس الأفكار ونفس الأسلوب مع اختلاف الرؤساء ومن ضمن المؤشرات علي ذلك ما حدث يوم الاستفتاء علي التعديل الدستوري من توافد هذه الأعداد غير المسبوقة من أبناء الشعب للإدلاء برأيهم لأول مرة وبداخلهم يقين بأن صوتهم له قيمة وقادر علي التغيير بعكس الفترات الثلاثة السابقة التي كان يعزف معظم الناس عن المشاركة السياسية لاقتناعهم بأن النتيجة في النهاية ستكون 99.9٪.. وهذه النتيجة ليست وليدة عصر مبارك وإنما كانت أيضاً أيام السادات وعبدالناصر، طوال الوقت خلال الستين عاماً كان معظم الناس يشعرون بأن البلد »مختطفة« وليس لهم رأي في أي أحداث سواء اختيار وزراء أو مسئولين أو في أي خطوة سياسية تتخذ، والكلمة الأولي والأخيرة دائماً كانت للنظام.
> لماذا لم تتحدث أو تظهر طوال فترة قيام الثورة؟
>> في فترة قيام الثورة كنت أجلس مع أبنائي وجيراني كلجان شعبية لحماية المساكن والمصانع المجاورة لنا من البلطجية والمساجين الهاربين من سجن وادي النطرون ولذلك لم أنزل لميدان التحرير، وأرفض أن نقتصر الوطنية وتأييد الثورة علي من كان يجلس في ميدان التحرير فقط، وفي نفس الوقت كنت متردداً أن أتحدث في وسائل الإعلام حتي يهاجمني أحد لأنني كنت من ضمن الفنانين الذين قابلوا الرئيس قبل الثورة بأسابيع وخشيت أن يتهمني أحد بالتلون، خاصة أنه في هذه الفترة انهال سيل من الكلام علي الفضائيات لكل من »هب ودب«، ففضلت الصمت وقلت إن دروي قادم في الفترة التالية وهو إعادة البناء.
> وتفسيرك لما يحدث حالياً؟
>> الآن نحن نعيش في حالة من الفوضي يحاول فلول النظام القديم صناعتها وقد تكون هناك جهات خارجية لها مصلحة فيما يحدث في مصر الآن من تظاهرات فئوية تعطل عجلة الإنتاج وانتشار البلطجة والعنف وغياب للأمن وهروب المستثمرين الأجانب وغيرها من العوامل السلبية التي يجب أن نتخطاها للحفاظ علي مكتسبات الثورة، لابد أن تعود عجلة الإنتاج للدوران مرة أخري، وفي نفس الوقت يتم تقديم المطالب، أذكر أن والدي روي لي أنه زار ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية وهي أنقاض من جراء الحرب وأثناء سيره وجد رجلاً يقف علي كومة من التراب والأنقاض ويخاطب الناس قائلاً: إن أي شخص سيساعده في رفع الأنقاض وإعادة بناء المصنع سيصبح شريكاً معه، وهكذا بنيت ألمانيا الحديثة بعد الحرب ونحن نحتاج لمثل هذا الأسلوب من الاتحاد والتكاتف لإعادة بناء مصر.
> هل تري أن الثورة أفرزت مناخاً للحرية الحقيقية بالفعل؟
>> بالتأكيد.. أنا سعيد جداً بوجود مناخ للحرية حالياً يسمح بعرض جميع الآراء، وسعيد بسماع وجهة نظر عبود الزمر وطارق الزمر، علي الرغم من اختلافي مع معظم أفكارهما، وسعيد بطرح وجهة نظر جماعة الإخوان، وغيرهم من الجماعات السياسية والدينية وأري أن هذا أمر صحي لأنه في النهاية يطرح حالة من الحوار يكون الفرد في النهاية هو الحكم في الاختيار بين هذا أو ذاك ويكون ذلك ناتجاً عن قناعة شخصية.
> ما تعليقك علي ما كان يتردد بأن الرئيس السابق مبارك كان مضللاً؟
>> حتي لو كان مضللاً فذلك لا يشفع له، ولكنه لم يكن مضللاً فالجميع كان يتحدث معه ويصارحه بحال البلد والأوضاع السيئة وكان يسمع ولا يستجيب، وأذكر في آخر لقاء تحدث كل فنان منا عن رأيه وطرح مشكلة، فيحيي الفخراني مثلاً تحدث عن خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي، وتحدثت أنا عن تصوير الأفلام الأجنبية في مصر والمعوقات التي تلاقيها شركات الإنتاج الأجنبية مما يضيع علي مصر دخلاً بالمليارات سنوياً، وتحدث محمود ياسين عن استرجاع الاستوديوهات المملوكة لوزارة الثقافة.. وغيرها من المشاكل التي كان يسمعها ولا تحدث أي استجابة والحمد لله أنها لم تحدث حتي يصل بنا الأمر في النهاية للثورة.
> هل كنت تتوقع حدوث ثورة في هذه الفترة؟
>> كنت أتوقع أن تحدث ثورة ولكن لم أكن متخيلاً أن تحدث هذه الفترة وأن أراها وفي الحقيقة أنا اعتبر هذه الثورة التي قام بها شباب 25 يناير هي امتداد لكفاح أجيال سابقة علي مدار الستين عاماً ذاقوا التعذيب في المعتقلات التي بنيت في عهد عبدالناصر ولا يمكن أن ننسي مفكرين كباراً مثل يوسف إدريس ولويس عوض، وغيرهما قالوا آراءهم ودفعوا ثمن خوفهم علي البلد.
> هناك مقولة دارجة بأن الشعب هو الذي صنع من الحاكم إلهاً.. فما تعليقك؟
>> أنا ضد هذه المقولة وكنت انفعل جداً عندما أسمعها قبل ذلك، فالحاكم الديكتاتور هو الذي صنع من نفسه إلهاً وليس الشعب، فالقوة العسكرية التي كان يمتلكها أي حاكم في الستين عاماً الأخيرة هي التي كانت تصور له أنه فوق الجميع، ومن كان يدلي برأيه كان يوضع في المعتقلات.
> وهل كنت تنتقد النظام فيما سبق؟
>> أنا أول من تحدث في وسيلة إعلامية عن ثورة يوليو وقلت إنها انقلاب عسكري وأن الشعب لم ير ثورة منذ 1919 وطوال الوقت كنت أعتقد قدر ما أستطيع وتتاح لي الفرصة ما يحدث داخل البلاد، خاصة في مجال الثقافة علي الرغم من أن فاروق حسني كان الفتي المدلل للنظام، بالإضافة لما كنت أقدمه في العملية الفنية ويحمل الكثير من الانتقادات وآخرها مسرحية »زكي في الوزارة« بالمسرح القومي وأيضاً مسلسل »بابا نور«.
> هل تعرضت لمضايقات؟
>> لم تكن مضايقات بالمعني المباشر وإنما كانت تحدث بعض التصرفات مثل عدم استكمال عرض برنامج »الناس وأنا« الذي كان يقدم علي التليفزيون المصري بحجة أنه يقدم صور ونماذج سلبية وأن الناس »عايزة تفرح ومش عايزة اكتئاب«!.. أيضاً مسلسلي الأخير »بابا نور« الذي كان يتحدث عن مشاكل الأحزاب رفض التليفزيون شراءه وتم عرضه علي قنوات مجهولة ليتم دفنه لأنه كان يحمل رسالة سياسية مهمة في الوقت الذي عرضت فيه أعمال تافهة في الصدارة وتلك كانت رسالة الإعلام المصري.
> وهل لاتزال علي موقفك من فاروق حسني؟.. حتي بعد مصالحة الرئيس السابق لكما؟
>> مازلت علي موقفي من فاروق حسني وأري أنه يتحمل ذنب إفساد الثقافة المصرية طوال فترة تولية الوزارة، وأطالب بأن تتم محاكمته علي الكثير من الجرائم مثل حادث بني سويف، وحفل الألفية الذي أهدرت فيه الملايين بلا عائد، وأيضاً استرجاع الأموال التي أنفقت علي حملة اليونسكو الفاشلة من ماله الخاص وردها للشعب.. أما بخصوص المصالحة فقد كانت بأمر رئاسي أثناء الجلسة فقط ولم تغير من رأيي شيئاً.
> وما تقييمك لأداء الإعلام المصري بعد الثورة؟
>> أداء الإعلام المصري حتي الآن سيئ جداً لأنه تحول 180 درجة وأصبح هناك افتعال في إثبات الوطنية والانتماء للثورة وهو ما يشبه كثيراً ما كان يحدث قبل الثورة ولكن مع اختلاف التوجه، الإعلام الجيد يعني الموضوعية أكثر من أي شيء وأنا لا أجد ذلك متحققاً في الإعلام الرسمي الآن، وإن كنت متفائلاً بالمستقبل، خاصة بعد إلغاء وزارة الإعلام.
> وما رؤيتك لانتخابات الرئاسة.. والأسماء المترددة كمرشحين؟
>> أحب بداية أن أوضح أن هذه هي المرة الأولي التي سيختار فيها المصريون حاكمهم بالانتخاب وأن ذلك لم يحدث منذ عهد محمد علي الذي جاء للحكم عن طريق انتخاب من العلماء والمشايخ وهذا أمر جيد وإيجابي، ولكن ما يحدث من تداول أسماء الكثير من المرشحين دون وضوح برنامج محدد لكل مرشح يبدو أمراً كوميدياً يشبه أن أرشح ممثلاً لدور دون أن يكون هناك سيناريو.
وأيضاً التعديلات الدستورية كان يجب أن تتضمن تحديداً أكثر لمسألة السن فلا يصح أن أحدد الحد الأدني بأربعين سنة ولا أضع الحد الأقصي، فمثلاً السيد »عمرو موسي« - وهو صديق أكن له كل الاحترام - إذا فاز بمقعد الرئاسة بعد أول فترة سيكون تجاوز الثمانين عاماً فماذا فعلنا إذن؟.. أيضاً لابد أن يكون واضحاً في برنامج الرئيس القادم من سيكون النائب قبل إجراء الانتخابات وأن يكون لنا الحق في اختيار الرئيس ونائبه سوياً.
> ما رأيك في الأحزاب الكثيرة التي يتم إنشاؤها الآن؟
>> الأحزاب الكثيرة التي يعلن عنها حالياً ظاهرة إيجابية ولكنني أتصور أنها ستنتهي في النهاية إلي عدد قليل من الأحزاب القوية قد يصل إلي 8 أو 10 أحزاب فقط يكون لهم المصداقية عند الشارع المصري، وهذا سيكون أمراً جيداً جداً.
> ما رؤيتك لمستقبل العملية الفنية خلال الفترة القادمة؟.. ورأيك في تخفيض أجور النجوم؟
>> لقد وافقت بالفعل علي تخفيض أجري حتي تعود عجلة الإنتاج الفني للدوران مرة أخري وحتي تعود الدراما والسينما للازدهار بعد تجاوز المرحلة الحالية، وأن لها إيجابية وحيدة وهي اختفاء موسم رمضان الدرامي الذي طالما نادينا بإلغائه في السنوات السابقة لما كان يسببه من خلل في العملية الإنتاجية وجعلها خاضعة للإعلانات فقط وهو أمر محزن.
> ما حقيقة ترشحك لمنصب نقيب المهن التمثيلية؟
>> بالفعل طلب البعض مني الترشح لمنصب نقيب المهن التمثيلية ورفضت ذلك وقلت لهم إن النقابة في المرحلة القادمة سيكون الشباب هم الأقدر علي إدارتها وسيبقي أبناء جيلي في مقاعد المستشارين إذا احتاجوا الاستشارة منا.