في الحياة العامة حيث أنت في الشارع.. في العمل هناك محطات.. قد تقابل أشخاصاً.. علي حين غرة تألفهم من أول وهلة، وقد تتوقف أمامهم للحظات من فرط الدهشة والاستغراب، وقد يصل بك الأمر إلي الإعجاب، وأحيانا مدعاة للريبة من حجم الغموض المغلف بديناميكية الترحال والنشاط، وهو ما قد يراه غيرك تناقضات.. وفي كل الأحوال هذه طبيعة بشرية.. وكل حسب نظرته.. المهم القافلة تسير.. والقطار يتحرك، ومحدود الخيال يلزم مكانه. وكما قالوا في الأمثال »الرجل تدب ماترح ماتحب«.. وكعادتي »أنا صنعتي مسحراتي في البلد جوال«، وجوالي كان إلي وقت قريب فقط (012)، وبحكم العمل أضيف (010 ثم 011).. وما هي إلا خطوط اتصال تستنزف ما يعادل 15 مليار جنيه من لحم الحي لهذا الشعب سنوياً.
وبما أن مصائب قوم عند قوم فوائد، فقد قفزت هذه المليارات بأصحابها قفزات كبيرة، ومنهم صاحب الخط الأول.. والذي كان مثل الكثيرين غيره من رجال الأعمال العاديين.. وظل هكذا يجرب حظه في صفقات ومشروعات هنا وهناك كغيره دون صيد ثمين يلوح في الأفق.
ومع توقيع صفقة رخصة المحمول منتصف التسعينيات وما صاحبها من شائعات، وقيل وقال، برز وبقوة اسم نجيب ساويرس، وذاع صيته في بر مصر كشخصية مغامرة.. مثيرة للجدل.. حتي أصبح اسمه لا يذكر إلا مقروناً بمجلة فوربيس الأمريكية يتصدر ترتيبه الرابع مصرياً، ويحتل رقم 374 في قائمة أغني أغنياء العالم هو وعائلته بحكم استحواذه علي ثروة تقدر بـ 2.5 مليار دولار »اللهم لا حسد«.. ويصل به طموحه إلي خوض مغامرة بيزنس البنوك بعرض شراء بنك القاهرة بصفته مصرياً أولي من انتقاله إلي غيره من مستثمري الفرنجة حيث عقدة الخواجة هي الأفضل والأرجح إلي »العقدة« محافظ البنك المركزي.. فكان الرفض القاطع، ويتردد أن ديانته وتمثيله للقطاع الخاص كان سبباً رئيسياً في عدم تمكينه من حلمة ودن بنك القاهرة، رغم إعلانه القبول بكافة الشروط المطروحة من حيث السعر وموقف العمالة، وهذا الأمر لا يخرج عن تخوفات وريبة منه كنجيب قبل أن يكون ساويرس.
وبعد أن كان »كافي خيره شره« كرجل أعمال، بعيداً عن الأحزاب يتخذ من رجل الشارع مكاناً قصياً، انخرط بعد الثورة في دهاليز عالم السياسة بتأسيس حزب المصريين الأحرار.. بعد أن كان العمل الحزبي بالنسبة له، و»كوكب الشرق« سواء بعيد عنك حياتي عذاب، ومن المحرمات، بات أمراً مستساغاً، ورغبة مبررة، يذهب معها إلي نجوع وكفور الصعيد للدعوة لها، ورغم ما يدعيه عن نفسه من تصالح يضع حزب الإخوان، والسلفيين في سلة واحدة.. ويرقبهم بنظرة شك وريبة.. وإن أنكر عن نفسه عكس ذلك«.
> ثورة 25 يناير كانت أمراً متوقعاً أم مفاجأة لك؟
>> كان لدي إحساس دفين بأن الثورة ستحدث.. وهناك قيادات في الحزب الوطني، وأمن الدولة، ورموز المعارضة كانت تتوقع حدوثها، واللواء عمر سليمان نفسه.. ولكن المفاجأة سقوط النظام بهذه السرعة وفي 18 يوماً.. فقد كان سقوطاً مهيناً.
> وتري أنها حققت مكاسب؟
>> نعم وأهم مكاسبها الإحساس بالحرية.. فقد كان جهاز أمن الدولة حكومة موازية.. دولة داخل الدولة.
شائعات الهروب الجماعي
> ولكنها زادت من النظرة السلبية لرجال الأعمال؟
>> هناك قسمان من رجال الأعمال.. قسم حقق مكاسب من خلال علاقاته المتشابكة مع رموزالنظام السابق، وهم أعضاء في الحزب الوطني ومن جمعية المنتفعين، وتربح عن طريق فرص لم تتح لغيرهم من رجال الأعمال، وهذه التصرفات يعرفها الجميع.
أما القسم الثاني فرجال الأعمال الشرفاء وهم ليسوا من أنصار الظهور والبهرجة، ويلامون أنفسهم.. لأنهم آثروا السلامة وتواروا عن الأنظار وعن الساحة بالكامل. ولم يتقدموا الصفوف في هذه اللحظات الحرجة، واكتفوا بمتابعة الموقف عن بعد. وقد كنت علي سفر ولكني فضلت العودة بسرعة للتواجد عن قرب، لنفي ما أشيع عن هروب رجال الأعمال بعائلاتهم.
> حجم البلاغات الكبيرة المقدمة ضدهم تؤكد تفشي الفساد؟
>> الفساد كان كبيرا واستشري في كثير من المجالات.. ومع ذلك هناك مبالغة في حجم البلاغات. وقد قدم أحد الصحفيين في هوجة البلاغات لوحده 47 ألف بلاغ.
ظاهرة المتحولين
> علاقتك بالصحافة ليست علي مايرام؟
>> علي العكس تماماً فهي أكثر من جيدة، ومن جانبي أكن لها كل احترام.. باستثناء صحفيين اثنين، أحدهما تحول من شبه مدافع عن النظام إلي أعدي خصومه ويرتدي مسوح الفضيلة بعد أن أشاد بديكتاتورية صدام، وعقيد ليبيا، واليوم يذوق من نفس الكأس.. والآخر سخر جريدته الأسبوعية للابتزاز، وأخذت حكما عليه بالسجن سنة، وأنقذه عاطف عبيد رئيس الحكومة الأسبق من الحبس، بعد تدخله لدي التفتيش القضائي، فعدل الحكم إلي الغرامة 10 آلاف جنيه.
حكاية فدية السكري
> وما مدي علاقتك بالمتهم الأول في قضية سوزان تميم محسن السكري؟
>> كان وسيطاً بيني وبين مجموعة المختطفين لاثنين من المهندسين العاملين في شركتي بالعراق.. وطلب المختطفون فدية نصف مليون دولار لإطلاق سراحهما، ووافقت علي 300 ألف دولار.. وعلمت أن المختطفين قبلوا مبلغاً أقل وأخذ هو الفارق. ولم يكن طرفاً محرضاً علي الاختطاف وفي صفقة الفدية كما أشيع وقتها.
> طبقاً لمجلة فوربيس ما زالت ثروتك في حدود 2.5 مليار دولار؟
>> مع احترامي للمجلة وبياناتها، والتي غالباً لا أتابعها تسبب ضيقاً شديداً للعائلة، والتي تفتخر بأنها أكبر دافعة للضرائب في مصر علي الإطلاق، وتقدر جملة الضرائب المسددة علي مجموعتنا منذ عملنا بمصر خلال 10 سنوات فقط 16 مليار جنيه.. فضلا عن توفير 250 ألف فرصة عمل، ومن أوائل الشركات التي اخترقت الأسواق الخارجية في مجال الاتصالات والمقاولات والأسمنت.
علاقة طلعت حماد بموبينيل
> تردد أن طلعت حماد ساعدك في تداول أسهم موبينيل بالبورصة قبل مرور عامين بالمخالفة للقانون؟
>> أولا شركة الاتصالات كانت أسهمها متداولة بالبورصة قبل أن تؤول إلي رخصتها بالشراء من خلال عطاء دولي، وكان قد تقدمت 5 شركات لسحب كراسة الشروط، ولكن انخفض العدد عند فتح المظاريف إلي شركتين فقط، تخص الراحل محمد نصير، وأنا.. وتم إنهاء إجراءات الترخيص للشركتين في عهد الدكتور كمال الجنزوري، وينحصر دور المستشار طلعت حماد الوزير الأسبق في اللجنة القانونية لتنفيذ بنود العقد، ومطابقته للشروط المعلنة.
عرض بنك القاهرة
> وماذا عن عرض استحواذ بنك القاهرة؟
>> مع إعلان الحكومة نيتها عن طرح بنك القاهرة للبيع علي غرار ماتم مع بنك الإسكندرية.. تقدمت بعرض شراء بنك القاهرة، وكنت أتوقع الترحيب بالعرض مادامت سألتزم بالسعرالذي يحدده المزاد وأكثر منه وكافة الشروط والضوابط المقررة من جانب الحكومة، فضلاً عن تطويره وإعادة الهيكلة، واستمراره في حوزة مصري.. ولكن تجارب محافظ البنك المركزي السيئة كانت ضد البيع.. وكانت رغبتي نابعاً من وجود بنوك ملاكها لبنانيون وسعوديون.. وقد قضي رفض تملك المصريين للبنوك علي أي فرص لتجارب مصرية في البنوك.. رغم أنني كنت أتطلع لفتح فروع له بالخارج.
> من المسئول عن زيادة الفجوة بينك وبين فرانس تيلكوم؟
>> وزير في حكومة نظيف انحاز إلي شركة فرانس تيلكوم ضدي لتوطيد علاقته بالفرنسيين علي حسابي.. بدلاً من التضامن معي، أو حتي التزام الحياد.. خاصة أنني كنت صاحب الحق. وما يؤخذ علي الجانب المصري هو تغيير الموقف من الخلاف الذي وقع بيني والشركة الفرنسية كان قد وصل إلي طريق مسدود، وكان هناك التحكيم.. وتعلق الأمر بإصرار الجانب الفرنسي الاستحواذ علي شركتي بشروط مجحفة، وقامت هيئة سوق المال برفض طلبها لعدم واقعيته وقانونيته، ثم فوجئت بتراجع سوق المال عن موقفها واتخاذها جانب الخصم.. نتيجة مؤامرة من الوزير ضدي.. ولكنني تمسكت بحقي ولجأت للقضاء الذي أنصفني.
> كيف نشأت فكرة حزب المصريين الأحرار؟
>> قبل الثورة لم يكن توجد ديمقراطية.. ولم تكن لدي أي ميول لممارسة العمل السياسي.. ولكن بعد نجاح الثورة التي احتضناها، بدأت تظهر بعض الشواهد التي تحاول إجهاضها لاغتيال فرحتنا، إلي جانب بروز الدعوات المناهضة للدولة المدنية.. فكان لابد من وقفة لإنقاذ الثورة التي دفع فيها ثمن غال من محاولات الاختطاف.. ومن منطلق الحب والعشق لهذه الأرض، التي لا أستطيع العيش إلا فيها كان الدافع لتأسيس حزب ليبرالي باسم المصريين الأحرار يتسق مع أفكاري، وتطلعات الكثيرين نحو الدولة المدنية.. ولإيجاد التوازن مع التيارات والأحزاب التي تنادي بالمرجعية الدينية.
> ما تقييمك للأحزاب التاريخية؟
>> الأحزاب التاريخية انخفض وزنها النسبي، وتأثرت كثيراً، ولكن اتجاهاتها ما زالت موجودة.
> ما نسبة التمثيل المتوقعة للإخوان في البرلمان القادم؟
>> متوقع أن يحصد حزب الإخوان النسبة الأعلي في مقاعد البرلمان القادم، وتتراوح النسبة بين 30٪ و40٪، ويليه في الترتيب حزب المصريين الأحرار بعدد مقارب من المقاعد وبنسبة قد تصل إلي 30٪ علي أكثر تقدير.
> موقفك من نسبة 50٪ عمال وفلاحين؟
>> استمرار العمل بنسبة الـ 50٪ للعمال والفلاحين نكتة سخيفة، وتقسيم طائفي غير دستوري.
> ما مدي جدوي مجلس الشوري؟
>> لابد من إلغائه، فوجوده مثل عدمه، وهو مجرد ديكور ليس له معني.. والتمسك ببقائه ضياع للمال والوقت والجهد.
> مرشحك المفضل في انتخابات الرئاسة؟
>> تنحصر ترشيحاتي بين اسمين اثنين هما: الدكتور البرادعي، وعمرو موسي وكلاهما له مقوماته وتقديره، وهذا لا يعني التقليل من شأن المرشحين الآخرين.. وأحمل معزة وتقديراً خاصاً للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، ولكن تحفظي علي المرجعية الدينية. وفي حالة وجود مرشحات أنا شخصياً سأرشح امرأة. ولو كان بيدي الأمر فإن المرشحات المفضلات بالنسبة لي المستشارة تهاني الجبالي القاضي بالمحكمة الدستورية، والدكتورة فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولي.
> هل يوجد مرشح لحزب المصريين الأحرار؟
>> ليس مطروحاً ضمن أجندات الحزب في الانتخابات القادمة.. فنحن لم نحسم أمرنا بعد بشأن رئيس الحزب.. ونستعد حالياً لإجراء انتخابات داخلية لاختيار رئيس الحزب والهيئة العليا وهيئة المكتب التنفيذي.
»دحلان« صديقي
> هناك علامات استفهام حول وجود علاقة شراكة مع محمد دحلان؟
>> هناك مشروع قناة فضائية بالمشاركة بيني وبين محمد دحلان القيادي بحركة فتح، فهو صديقي منذ سنوات، وعلاقتي به جيدة، ولا أساس من الصحة فيما ذكر من قبل عن نيتي التنازل عن قناتي (on.tv وo.tv) وخلافه مع حركة فتح خلاف شخصي نتيجة هجومه علي الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
> ما موقفك من التقارب مع إيران؟
>> أنا مع توجه السياسة الخارجية المصرية الجديدة، والتي تستهدف إقامة علاقات طبيعية متكافئة مع جميع الدول تقوم علي تعزيز المصالح المشتركة، وضد جميع أشكال القطيعة، وأري ضرورة البدء بفتح صفحة جديدة مع إيران لتحديد المواقف. والتي يمكن بناء عليها بناء الجسور والعلاقات بين الطرفين، وفي نفس الوقت متمسك بشرط إزالة اسم خالد الإسلامبولي قاتل السادات علي أحد شوارع طهران.
جواسيس هواة
> تم في أقل من شهر القبض علي جاسوسين.. هل مصر مخترقة؟
>> مصر ليست مخترقة، ولكن تواجه تحديات، فجبهتها الداخلية مازالت إلي حد ما متماسكة وهي آمنة في ظل وجود جيشها الذي يتولي حماية حدودها الخارجية.. أما ما يتعلق بالجاسوسين اللذين تم إلقاء القبض عليهما مؤخراً، فهما جواسيس درجة ثالثة.. ومن وجهة نظري الجاسوس الإسرائيلي أو مزدوج الجنسية فهو هاو.. وليس من الجواسيس الخطرين.
الأردن أولي من إسرائيل في الغاز
> بماذا تفسر تصدير الغاز المدعم إلي إسرائيل؟
>> التفريط في حق الأجيال القادمة جريمة، ولتصحيح هذا الخطأ لابد من إعادة النظر في أسعار تصدير الغاز.. ولابد من تعديل السعر ليكون عادلاً.. وهناك فرق بين تصدير الغاز إلي الأردن والدولة العربية التي يعمل بها مليون مصري، وبين إسرائيل.
التيار السلفي
> ما زالت نظرتك للسلفيين لم تتغير؟
>> التيار السلفي أصبح أمراً واقعاً في الشارع بعد خروجهم من المعتقلات.. كما أن إقبالهم علي الدخول في حوارات مفتوحة أمر عقلاني، وبداية مشجعة للتخلي عن الغلو والفكر المتشدد، وهذا التغيير والانفتاح علي الآخر يحسب للثورة.. يضاف إلي ذلك مبادرتهم نحو تكوين حزب للانخراط في العمل الحزبي وممارسة العمل السياسي.. وإن كانوا لا يزالون يخيفون الشعب المصري بمسلميه ومسيحييه ببعض التصريحات التي يخرج بها علينا بعض أعضائها بين الحين والآخر.
أخطأت في حق البابا
> هل علاقتك بالبابا شنودة أصابها الفتور؟
> البابا شنودة قيمة كبيرة وأحمل له تقديراً كبيراً، وقد تأثرت كثيراً بعد تصريحاتي، وهذا خطأ من جانبي وبادرت بالاعتذار عنه.
> ما الهدف من زيارة شيخ الأزهر وتقبيل يده؟
>> الأزهر محظوظ جداً بالدكتور محمد سيد طنطاوي، والدكتور أحمد الطيب وكلاهما خير خلف لخير سلف، والأزهر مكان مبروك وقياداته علي خلق، ودرجة عالية من العلم.. وقد تشرفت بمعرفة الدكتور طنطاوي، ومقابلة الدكتور الطيب في زيارتي له.. وتقبيل يده من باب التقدير في الديانة القبطية، وأنا أفعل ذلك مع رجال الدين المسيحي والإسلامي، وقد فعلتها كعادة متبعة بحكم تقديري لشخصه.
الأحوال الشخصية
> وبالنسبة للمادة الثانية من الدستور؟
>> ليس لي عليها أية تحفظات.. بل علي العكس أؤيدها.. ولكنها في حاجة إلي إضافة تتمثل في أن يعامل غير المسلمين فيما يتعلق بأحوالهم الشخصية حسب شرائعهم السماوية.
> تميل إلي سجن الرئيس السابق أم إلي العفو؟
>> مع الرأي الثاني إذا لم تثبت عليه تهمة إصدار أمر قتل المتظاهرين، وإذا اعتذر عن أخطائه، واعترف طواعية عن ثروته هو وأفراد أسرته داخل وخارج مصر التي جاءت من طريق غير شرعي وتنازل عنها.. وذلك مراعاة لسنه المتقدمة (83 سنة)، ومرضه بالسرطان كما قيل.. وهذا من باب تعاطفي الإنساني.