هبقلم خالد منتصر ١٨/ ١/ ٢٠١١ |
كنت قد شاهدت على قناة موجة كوميدى برنامجاً له دلالة خطيرة رغم أنه برنامج بسيط دون إمكانيات إنتاجية ضخمة، البرنامج اسمه «أرجوك ماتفتيش»، يقابل المارة فى الشارع ويسألهم سؤالاً افتراضياً لا يمكن أن يحدث ويسجل انطباعاتهم أو بالأصح فتاواهم. الحلقة التى شاهدتها وكانت من نوع الكوميديا السوداء وحتماً ستصيبك بالخوف والفزع على كم الكذب والتلفيق الذى يملأ حكاياتنا، والذى يؤكد ما كتبته من قبل أننا لا يمكن أن نطمئن لصدق ونزاهة وشفافية الحكى المصرى لأى حادث، وأننا بالفعل فقدنا ذاكرتنا الفوتوغرافية لصالح خيالنا الجامح ورغبتنا فى الفتوى والاختراع والكذب وترقيع فجوات الحكايات وردمها بتهويمات وأساطير من بنات أفكارنا المريضة. سألت مذيعة موجة كوميدى المارة فى الشارع عن رأيهم فى هروب الديناصور من حديقة الحيوان!، والغريب والمدهش والمزعج والمحزن أن الردود كانت حاسمة لم يرمش جفن لمن ينطقونها وهم يجزمون بأنهم رأوا الديناصور أو على الأقل قرأوا عن الحادثة فى الجرائد أو شاهدوها فى التليفزيون!، قفزوا فوق التفصيلة الأساسية التى لم يكذبوها على الإطلاق وانطلقوا فى مدفع رشاش من الإجابات التى لم أضحك لها بقدر ما بكيت على حال العقل المصرى والذاكرة الشفاهية التى أصابها العطب والعفن، لا نستطيع أن نقول إنه ألزهايمر بل هو عقل شغال يفرز أوهاماً بسرعة الضوء، فتارة تجد من يرد بأنه لا يخاف من الديناصور، وبأنه من ساعة ما سمع أنه هرب من الجنينة وهو حاطط سكاكين تحت المخدة!، وآخر يؤكد بثقة أن الأسرة مالهاش حديث إلا فى موضوع الديناصور ده!، وآخر يؤكد بأنه شافه فى الجنينة بس هو ما يخوفش لأنه صغير فى الحجم!.... إلخ. أعراض مرض الفتاوى المصراوية تطرح أسئلة مزعجة وقضايا تخض، نحن لا نسأل أنفسنا قبل أن نجيب عن معقولية السؤال من كثرة اللامعقول فى حياتنا صرنا نصدق أى شىء، ولو افترضنا أنه قد ضحك علينا فلماذا لا نجيب بنعم أو لا فقط، لماذا نضيف تفاصيل وهمية وبهارات أسطورية على إجاباتنا؟، نحن نعتقد أن أى مذيعة بميكروفون فى الشارع هى مرادف للصدق والأمانة، لماذا لا ننظر إلى السؤال وليس صاحبة السؤال، لماذا لا نثق فى أن الصدق يستمد من الجملة لا من قائل الجملة ومكانته؟!، لماذا هذه التولة والتوهة والرغبة الحارقة فى التأليف والترقيع والتفنين والفتوى، لماذا عندما يسألنا عابر سبيل عن عنوان شارع وكنا لا نعرفه لا نقول ما نعرفش بل نقول إحود يمين ثم شمال ثم دوغرى؟! لماذا نحن خياليون إلى هذا الحد؟ الخيال الإيجابى شىء والضلالات والأوهام والهلاوس شىء آخر، لذلك أتراجع عن توصيف الخيال، فالفن خيال ولكنه خيال فعال منتج حضارى يدفع للأمام، أما الهلاوس والضلالات فهى قيود جهل وفيروسات شلل وأعراض شيزوفرينيا، وكل تقدم يصنعه من يحلّقون فى الفضاء بأحلامهم لكنهم يمتلكون الأجنحة، أما من يحلّق فى الفضاء وهو مشدود بكرات الحديد إلى قدميه ويتخيل أنه فوق السحاب فحتماً سيدق عنقه ويتحول إلى أشلاء. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
لادراج تعليق :-
اختر " الاسم/عنوان url " من امام خانة التعليق بأسم ثم اكتب اسمك ثم استمرار ثم التعليق وسيتم نشرة مباشرة