بقلم د. حسن نافعة ٢٧/ ١/ ٢٠١١ |
أخيرا خرج شعب مصر (الحليم الصابر) عن صمته، وقرر أن يعبر عن غضبه بالنزول إلى الشارع يوم ٢٥ يناير تحديدا، وهو اختيار ينم عن حس عبقرى، ليوجه للنظام الحاكم رسالة قوية يطالبه فيها بالرحيل. فهل فهم النظام رسالة شعبه؟ وهل أدرك أسباب غضبه؟ وهل استوعب فحوى مطالبه؟ آمل ذلك، وإن كنت أشك كثيرا. فالعناوين الثلاثة التى يتعين أن تصل إليها الرسالة قبل أى طرف آخر فى النظام، ونقصد الرئيس ونجله وأحمد عز، تبدو موصدة الأبواب وغير جاهزة لاستقبالها. فالرئيس، الذى وصل إلى السلطة بطريق الصدفة وليس بمعايير الاستحقاق، ومكث فيها ثلاثين عاما متصلة ولايزال يرغب فى الاحتفاظ بها إلى «آخر نفس فى حياته»، لا يمكنه فهم رسالة تطالبه بأن «يكتفى بهذا القدر». ونجل الرئيس، الذى تجرى للوطن منذ عشر سنوات جراحة سياسية تستهدف تمكينه من خلافة والده فى السلطة، لا يمكنه استيعاب رسالة تطالبه بالدوران للخلف والعودة من حيث أتى. وأحمد عز، ممثل الطبقة التى تفوح منها رائحة الفساد فى سلطة الاستبداد، ورجل المهمات الصعبة الذى حاول أن يثبت جدارته بإهداء الرئيس القادم مجلس شعب منزوع المعارضة ليس فى وضع نفسى أو ذهنى يؤهله لفهم أو استيعاب رسالة فحواها «تبت يدك» وتحمله جزءاً كبيراً من مسؤولية ما يجرى. وإذا كانت أهم رموز النظام فى وضع لا يسمح لها بفهم رسالة الشعب أو باستيعابها إن فهمتها أو بالاستجابة لها إن استوعبتها، فكيف سيتصرف النظام ككل فى مرحلة ما بعد «يوم الغضب»؟. الأرجح أنه سيلجأ إلى عدة سبل للتحايل والهروب، أهمها: ١- عدم إنكار أهمية ومغزى مظاهرات ٢٥ يناير، والاعتراف بأنها توجه رسالة قوية تطالب بالتغيير. ٢- التقليل فى الوقت نفسه من وزنها، بالادعاء بأن من نزلوا إلى الشارع قلة لا تمثل الأغلبية، لأنهم لا يزيدون على «ثلاثين ألفا» (؟) فى شعب يبلغ تعداده «ثمانون مليونا». ٣- تحريف مطالب الشعب بتفريغها من مضمونها السياسى، والاستجابة الجزئية لبعض المطالب الاجتماعية والاقتصادية من خلال انتهاج سياسة جديدة للتوظيف و/أو رفع الحد الأدنى للأجور.. إلخ. غير أننى أعتقد جازما أن محاولة الالتفاف هذه لن تجدى فتيلا، وبالتالى فالأسلم للجميع أن يستوعب النظام فحوى رسالة الغضب، وهى سياسية بامتياز، وتؤكد أن الشعب فقد الثقة به، وأن يستجيب لها على الفور دون مماطلة بإحداث تغيير سياسى حقيقى وجوهرى. وأى محاولة لإضاعة الوقت لن تجدى نفعاً ولن يكون لها من أثر سوى زيادة عبء تكلفة التغيير القادم والحتمى. سياسة «الهبوط الآمن»، والتى أنصح الرئيس مبارك بانتهاجها على الفور، هى الأكثر عقلانية ورشدا، وهى الوحيدة التى يمكن، إذا ما طبقت بوعى وإخلاص حقيقيين، أن تقود إلى تغيير سياسى بالطرق السلمية وبأقل تكلفة اقتصادية واجتماعية ممكنة. وأقصد بسياسة «الهبوط الآمن» عملية مدروسة ومخططة تضمن انتقالا آمنا للسلطة تحول دون وقوع هزات أو انفجارات لن تقود إلا إلى الفوضى. وأهم خطوة فى هذه «العملية»، كما أتصورها، أن يبادر الرئيس مبارك فورا بتكليف شخصية مستقلة لتشكيل حكومة انتقالية، وأن يترك لرئيس الوزراء الجديد حرية كاملة فى اختيار معاونيه من الوزراء، فيما عدا وزيرى الدفاع والخارجية واللذان يتعين ترك أمر شغلهما لرئيس الجمهورية بعد التشاور مع رئيس الوزراء (ضمانا لاستقرار أمن الدولة واستمرارية سياستها الخارجية فى مرحلة انتقالية) على أن يمنح رئيس وزراء المرحلة الانتقالية، الذى يتعين أن يحظى بثقة جميع الأحزاب والحركات والتيارات السياسية الرئيسية وأن يقف على مسافة واحدة منها، صلاحيات واسعة تمكنه من إعادة ترتيب البيت الداخلى لانتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة فى نهاية العام الحالى. ولكى يصبح هذا الحل ممكنا ومتاحا بالفعل يتعين أن يكون الرئيس مبارك مستعدا لاتخاذ قرار تاريخى بالالتزام بعدم ترشيح نفسه لولاية سادسة، وأن يكون نجله جمال مستعدا فى الوقت نفسه للالتزام بعدم ترشيح نفسه وعدم القبول بترشيح الحزب له فى انتخابات الرئاسة المقبلة. بنزوله المكثف إلى الشارع يوم ٢٥ يناير، أرسل الشعب المصرى رسالة تقول بكل الوضوح والصراحة: «لن أقبل بحسنى مبارك رئيسا فى ٢٠١١، ولا بجمال مبارك وريثا»، وأى إجراء يفهم منه أن النظام لم يفهم الرسالة، أو لم يستوعبها، لن يكون له سوى معنى واحد، وهو أن الحزب الحاكم يمارس سياسة أنا ومن بعدى الطوفان. ولن يكون لهذا الموقف سوى نتيجة واحدة وهى أن الأسوأ قادم وأن حريقا كبيرا ينتظر الجميع. لسان حال مصر كلها يقول: انتهى الدرس يا..... |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
لادراج تعليق :-
اختر " الاسم/عنوان url " من امام خانة التعليق بأسم ثم اكتب اسمك ثم استمرار ثم التعليق وسيتم نشرة مباشرة