بقلم بلال فضل ٢٥/ ١/ ٢٠١١ |
لن أسمح اليوم لكل من تسوّل له نفسه بأن يقمع مظاهرات الشباب الغاضب أيا كان عدده وأيا كان توجهه، بل سأستثمر هذه المظاهرات الغاضبة سياسيا لمصلحة الوطن، سأظهر للعالم أن مصر ليست الدولة التى تقمع المتظاهرين، وأن نظامها ليس ضعيفا لكى يخاف من أصوات الشعب، وأنه قادر على أن يسمع هذه الأصوات ويتفهمها ويتحملها، بالعكس سأقوم بتصوير هذه المظاهرات فى كل المواقع التى ستقوم فيها، ليس لكى يستخدمها رجالى بعد ذلك فى مساعدتهم على قمع الناشطين السياسيين، بل لكى أنقلها مباشرة إلى رئيس الجمهورية الذى لن تنقل له أجهزة الإعلام الرسمية الحقيقة. سأنقل هتافات المتظاهرين ومطالبهم بالصوت والصورة إلى رئيس الجمهورية لكى يعرف ما الذى يشكو منه هؤلاء المتظاهرون، لن يصبح شغلى الشاغل هو أن أصور له أن من خرجوا ليسوا سوى قلة منحرفة لا يعجبها العجب، فأنا أعلم، بحكم موقعى، أن المطالب التى يحملها هؤلاء المتظاهرون والتى وزعوها فى آلاف المواقع الإلكترونية هى التى يطالب بها ملايين المصريين الصامتين والخائفين من قمع أجهزتى، ربما كررت لسيادته الجملة التى كتبها الكاتب الكبير وحيد حامد على لسان الفنان كمال الشناوى فى فيلمى المفضل (الإرهاب والكباب) «مكتوب علينا نتحمل أخطاء الوزارات التانية»، طبعا لن أقول لسيادة الرئيس إن أخطاء الوزارات التانية ليست فى الحقيقة سوى أخطاء سياساته هو واختياراته هو، فقواعد اللعبة السياسية تقتضى أن نتصور جميعا ونصور للناس أن كل ما يحدث من أخطاء فى البلاد ليس رئيس الجمهورية مسؤولا عنه بل وراءه الوزراء والمسؤولون التنفيذيون. الحمل ثقيل والمسؤولية مرهقة، واليوم الذى كان ينبغى أن يستريح فيه رجالى ويسترخوا ويحتفلوا بعيدهم أصبح يوما يفترض فيه أن يستنفروا قواهم ويشحذوا هممهم من أجل السيطرة على أى محاولة للإخلال بأمن البلد، أعرف أن بعض المتظاهرين يتصورون أنهم سيكررون اليوم تجربة الشعب التونسى فى الإطاحة بنظام الحكم، وأعرف أن هؤلاء حسنو النية إلى حد السذاجة، فأنا متأكد أن البلد ممسوك جيدا، وأن ما نحن فيه اليوم من استقرار هو حصيلة عمل طويل قمت به أنا وكل وزراء الداخلية السابقين لى، خرّبنا فيه الأحزاب ودجّنا فيه الجامعات ولم يجلس فيه مسؤول على كرسيه وإن صغر إلا برضا تقاريرنا، وصارت قوى المعارضة الرسمية أقرب إلى وزارتى من كثير من الحكوميين. أعرف أن الحكاية فى الآخر لا تتجاوز بضعة آلاف من الساخطين أغلبهم ظروفهم يتمناها ملايين العاطلين، لكنهم مع ذلك يتظاهرون من أجل ما يتصورون أنه مبادئ ومطالب عادلة، بينما الذين تعنيهم هذه المطالب أصلا لن يتظاهروا لأنهم إما خائفون أو يائسون أو مغيبون عن الدنيا بأسرها. لكننى أعلم أن الشعوب لا أمان لها، وأننى أنا الذى سأحاسب على أى محاولة للإخلال بالأمن، لذلك سأكون حكيما وواعيا، ولن أستجيب لوساوس من يطلب منى أن نقوم باستخدام فرق الكاراتيه والقبضايات فى قمع المتظاهرين بعد إلباسهم ملابس مدنية وتحميلهم صورا للرئيس مبارك ولافتات تطالب بالوفاء له لكى يبدو للعالم أن هناك خلافا شعبيا فى مصر بين الأوفياء وناكرى الجميل، بالعكس سأحيط المظاهرات بكردونات أمنية مشددة تترك للمتظاهرين حرية التعبير عن مطالبهم وغضبهم، وفى نفس الوقت تحمى كل من يندفع إلى إتلاف الممتلكات العامة بفعل الانفلات أو الحماس أو ربما لكونه مدفوعا من أجهزة لا أعلمها داخل وزارتى تتصور أنها تخدمنى، أو ربما تفهم توجيهاتى خطأ، أو ربما يكون مدفوعا من قوى خارجية لا تحب الخير لبلدى. أنا لست قديسا ولا شيطانا، أنا رجل أمن طموح، أريد أن أبقى فى منصبى، أريد أن أظل ناجحا فى خدمة من عيّننى فى منصبى، ولذلك سأتعلم من أخطاء وزراء الداخلية الذين سبقونى، سواء فى مصر أو خارجها، وبعد أن تنزاح هذه الغمة سأرفع تقريرا لرئيس الجمهورية أقول له فيه إن البلد لا يتحمل مثل هذا الاستنفار إلى الأبد، وأن الحل هو أن نعيد الحياة إلى السياسة التى قتلناها، وأن هؤلاء الشباب الغاضبين لابد أن يتم استيعاب طاقاتهم الخلاقة فى العمل السياسى، لأن مصر تخسر كثيرا فى ظل المسرحية السياسية التى تدور فيها منذ ثلاثين عاما والتى كنت أحد أبرز مؤلفيها ومخرجيها، وأنه لا سبيل للخلاص إلا بحياة ديمقراطية سليمة يشعر فيها كل مواطن بأنه شريك فى الوطن، سأقول لسيادته إننى أنصحه أن يعلن أنه لن يخوض الانتخابات الرئاسية القادمة ويعلن عن اختيار وجه محترم من داخل النظام يخوض انتخابات رئاسية نزيهة، سأقترح لسيادته أكثر من مرشح أعلم أنهم لو نزلوا فى مواجهة كل قوى المعارضة الموجودة سيكسبون لا محالة، لأن مزاج الشعب سيكون أميل إلى عدم حدوث مفاجآت، سأقول لسيادته إن حل مجلس الشعب الحالى أمر حتمى لأنه أكبر غلطة سياسية حدثت فى ظل عهده، وأنه لو أصدر هذا القرار سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه، سأقول لسيادته إننى زهقت خلاص وإننى قررت أن أتقدم باعتذار رسمى إلى الشعب المصرى عن كل الانتخابات الماضية التى تمت فى عهدى، وعن كل قمع قمت به للمظاهرات وناشطيها السياسيين، وعن كل حوادث التعذيب التى تورط فيها رجال بوزارتى أيا كانوا، وسواء تم تقديمهم للمحاكمة أو تم التجاوز عما قاموا به، سأدفع تعويضات لكل ضحايا التعذيب والعنف السياسى وسأدعو أسرهم إلى احتفالية كبيرة يحضرها رئيس الجمهورية ليسلم معاشا استثنائيا لابن السيد بلال المعتقل السلفى فى الإسكندرية ولكل أبناء وزوجات وأمهات الذين تعرضوا للتعذيب والعنف والاضطهاد، سأتخلى قليلا عن العنف وأجرب العدل كوسيلة لفرض الأمن فى البلاد، سأرضى ضميرى وأشترى آخرتى، وحتى لو أقالنى رئيس الجمهورية فسأكون الكسبان لأننى بصراحة أحتاج إلى إجازة طويلة، وربما ستكون المرة الأولى والأخيرة التى تشهد فيها مصر مظاهرات تحمل صور وزير الداخلية وتهتف له بدلا من أن تدعو عليه |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
لادراج تعليق :-
اختر " الاسم/عنوان url " من امام خانة التعليق بأسم ثم اكتب اسمك ثم استمرار ثم التعليق وسيتم نشرة مباشرة