إذن لو أراد السلفيون حق ربنا فلا بد، طبقا لمفهومهم، أن ننتخب رئيسا من قريش، هذا ما قلته أمس استنادا إلى الشروط التى وضعها أهل السنة والجماعة، بل سنعرف بعد قليل أنها تشترك كذلك مع شروط الإمامة عند الشيعة فى القطع بأن الإمام -وهو هنا الأمير أو الخليفة أو الرئيس- لا بد أن يكون من قريش، هذا الرئيس القرشى يجعلنا نعود لنتأكد من نصوص الأحاديث التى أوردها السابقون الأولون، إثباتا لما يشترطونه من أن الرئيس قرشى، خصوصا عندما يردون على حملات من التشكيك والتأويل للأحاديث المنسوبة للنبى، التى تفرض على الأمة اختيار حاكم قرشى، فزعم البعض أنه شعار رفعته قريش لاستلاب الخلافة من إخوانهم الأنصار. وقال آخرون: إن هذا النص إنما هو (رأى لأبى بكر الصديق، وليس حديثا رواه عن رسول الله)، وإنما كان (فكرا سياسيا قرشيا، كان شائعا فى ذلك العصر، يعكس ثقل قريش فى المجتمع العربى فى ذلك الحين)، وأن عبارات (الأئمة من قريش)، و(الناس تبع لقريش)، ما هى إلا من ذلك الفكر.. يرد السلفيون كما جاء فى دراسة الدكتور حامد الخليفة بأن:
نصوص هذا الحديث وردت فى الصحيحين وكتب الحديث الأخرى، بألفاظ متعددة، وأسانيد مختلفة: ففى البخارى عن معاوية -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إن هذا الأمر فى قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله فى النار على وجهه ما أقاموا الدين»، وفى رواية «لا يزال الإسلام عزيزا بخلفاء كلهم من قريش»، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «الأئمة من قريش، إن لهم عليكم حقا، ولكم عليهم حقا مثل ذلك، ما إن استرحموا فرحموا، وإن عاهدوا وفوا، وإن حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»، لاحظ الرحمة النبوية التى تشترط العدل من أمراء قريش وإلا اللعنة!
وعن على -رضى الله عنه- قال «الأئمة من قريش، ومن فارق الجماعة شبرا فقد نزع ربقة الإسلام من عنقه»، وقال صلى الله عليه وسلم «الناس تبع لقريش فى هذا الشأن، مسلمهم لمسلمهم، وكافرهم لكافرهم»، وعن جابر -رضى الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم «الناس تبع لقريش فى الخير والشر»، وعن على -رضى الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم «الأئمة من قريش أبرارها أمراء أبرارها، وفجارها أمراء فجارها، ولكل حق، فآتوا كل ذى حق حقه، وإن أمّرت عليكم عبدا حبشيا مجدعا فاسمعوا له وأطيعوا، ما لم يخير أحدكم بين إسلامه وضرب عنقه، فإن خُير بين إسلامه وضرب عنقه فليقدم عنقه، فإنه لا دنيا له ولا آخرة بعد إسلامه».
وعن أبى موسى -رضى الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم «إن هذا الأمر فى قريش»، وعن ابن مسعود -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقريش «إن هذا الأمر فيكم وأنتم ولاته»، وقال صلى الله عليه وسلم «قدموا قريش ولا تَقَدَّمُوها»، والأحاديث النبوية التى تبين أن أمر الخلافة فى قريش مستفيضة، أورد ابن حجر أحاديث كثيرة منها تحت باب «الأمراء من قريش»، وقد رويت بألفاظ متعددة، إلا أنها متقاربة تؤكد جميعها أن أمر الخلافة فى قريش، وما سوى ذلك من الولايات يتساوى فيه جميع المسلمين.
لكن هل نازع أحد حق قريش فى أن تتولى إمارة أو ملك أو رئاسة الأمة من قبل؟
يرجع كثيرون إلى سقيفة بنى ساعدة، حيث الخلاف الانتخابى بين المهاجرين، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعبيدة بن الجراح -رضى الله عنهم- من جهة، وقيادات الأنصار التى بايعت سعد بن عبادة من جهة أخرى، حيث يحتج البعض بأن الاختيار جاء ديمقراطيا تماما، بينما يرى السلفيون أن الأنصار وافقوا على بيعة أبى بكر، لما ذكر لهم أن العرب لن يرضوا بأمير خارج قريش، هنا فتح القوس الكبير فى تاريخنا الإسلامى، هل كان هذا رأيا سياسيا لأبى بكر، وبناء على معرفته العقلية العربية القبلية وقتها، أم أنه حديث نبوى نقله أبو بكر عن النبى -صلى الله عليه وآله وسلم- فسكت الأنصار موافقين ومتفقين؟ الحاصل أن السنة والشيعة لم يجتمعا على شىء فى السياسة، بقدر اجتماعهما على أن الحكم لقريش!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
لادراج تعليق :-
اختر " الاسم/عنوان url " من امام خانة التعليق بأسم ثم اكتب اسمك ثم استمرار ثم التعليق وسيتم نشرة مباشرة