عادت هالة .. إلي وطنها معجزة الثورة .. ولهذا فهي علي يقين أن الشهداء هم الذين حرروها كما حرروا الوطن كله.
- أبدأ برحلة السفر وأسأل .. هل سافرت إلي دبي هاربة من النيابة؟
أبدا .. إذ سافرت لحضور اجتماع علي أن أعود في اليوم التالي, ولم تكن لدي مشكلة في الذهاب إلي النيابة خصوصا أنه سبق لي أن استدعيت للتحقيق في عدة قضايا ولم أتأخر.
حقق معي عن الحلقات التي كنت سجلتها عن الإرهاب, والتي كشفت فيها عن كيفية أن يصنع الإرهابي, محذرة الشباب من هذا الطريق, لكن جهاز أمن الدولة صادر هذه الأشرطة والتي لا أعلم أين ذهبت الآن.
- لكن خروجك كان أثناء أزمة حلقات بنات الليل؟
هذه الحلقات كانت مسجلة قبل حوالي ستة أشهر, وكلما فكرنا في إذاعتها كانت تؤجل بسبب أننا كنا نريد إذاعة حلقات مع الفنان عادل إمام, وهذه الحلقات كانت أساسا عن الفقر وتأثيره, وحين سافرت لم أكن أضع في اعتباري أنني سأغيب أكثر من 24 ساعة, لكن وأنا علي الطائرة كان أحد الركاب يقرأ في إحدي الصحف وإذ به يقول لي: هناك كلام بشع عنك.. فقلت له معلش.. وظننت أن الأمر مجرد موضوع صحفي, لكن في مساء اليوم نفسه حدثني محام كان ضابط أمن دولة سابق وأخبرني أنه يشعر بأن هناك عملا مخطط ضدي.
إذ قال لي: فيه حاجة خطيرة, وحالة تعبئة ضدك لها .. بعدها فوجئت بحالة فزع عند أهلي, ثم اتصل صديق آخر.. وقال :انت في خطر.. أرسلت المحامي لكي يظهر في قناة المحور .. لكنهم رفضوا دخوله الاستديو.
جلست في غرفتي بالفندق وعشرات التليفونات تنهال علي, وتحذرني من العودة, إلي أن جاءني تليفون من صديق مهم.. يخبرني فيه بأن هناك أمر تصفية صدر ضدي باعتقالي فور عودتي, وأن هناك مخطط لاغتيالي جسديا أو معنويا. وهكذا وجدت نفسي في كابوس.
- هل اكتشفت أن الأمر أخذ منحي آخر خطيرا؟
كنت أعرف أن هناك رؤوسا كبيرة في النظام السابق تكرهني, لأنني كنت خارج منظومتهم الفاسدة, وفي كل حلقة أقدمها كنت أوبخ, لكني لم أتوقع أن يصل الأمر لحد التصفية, خصوصا أنني أثناء عملي كنت أحيي ضيوفي من رجال المعارضة والمفكرين.. ومشكلتي كانت أنني قلت إن هناك مرتشين في جهاز الشرطة.
- كنت تهاجمين جهات عديدة.. فلماذا هذه المرة؟
منذ أن ظهرت علي الشاشة وأنا أقول أن هناك فاسدين في كل المجالات, فضلا عن أن الحلقات التي أحدثت المشكلة, كانت عن الفقر وليس عن الفسق.
لكن المشكلة الحقيقية كانت سابقة علي هذا الموضوع خصوصا مع وجود 22 شاهدا وقفوا معي.
- لماذا لم تعودي وتواجهي كل هذا؟
لمن أرجع .. لنظام ظالم لن يرحمني لو عدت .. وسأقف أمامه بطولي, كنت أريد العودة, ولكن السيناريو الذي رسم لي جعلني أتأكد أن النية مبيتة لتصفيتي, إذ بعد حواري القصير مع عمرو أديب والذي تحدثت فيه عن أنني سيدة محترمة, ولم أفكر في عمل أي شيء , فوجئت بمن يخبرني بضرورة أن أرحل فورا من دبي إلي أي مكان آخر, فذهبت إلي لندن ونزلت هناك بملابس صيفية في عز البرد, وطوال هذه الرحلة كنت أشعر بفداحة الظلم الذي أتعرض له.
وفي لندن مكثت 3 شهور بين الحياة والموت, إذ أصبت بنزيف قاتل بعد وصولي بأيام ومكثت طوال هذه المدة علي كرسي متحرك, لكن الصحف والمجلات أكلت من سمعتي وشربت وادعت بعضها أنها انفردت بحوارات معي, رغم أنني لم أتحدث مع أحد, ولم أقابل أحدا وحاولت الرد علي هذه الصحف فرفضوا, فلجأت لعمل إعلان مدفوع أكذب فيه كل ما يقال علي لساني, لكنهم رفضوا أيضا.
- كيف صارت الحياة معك بعد ذلك؟
كنت أشعر بظلم فاحش حين أنظر في عيون أهلي, ولم يكن لدي غير دعاء :لا إله إلا أنت .. سبحانك أني كنت من الظالمين ـ وحسبي الله ونعم الوكيل .. لأنني كنت علي يقين أن الله هو المنتقم الجبار, وأن الناس ستعرف الحقيقة يوما ما.
- متي كنت تتوقعين العودة؟
كنت أتوقع أن تظهر الحقيقة بعد موتي, وحين أقول .. لن أعود إلي مصر إلا حين يرد لي اعتباري, كان الأصدقاء يقولون :ارجعي فلن يرد لك أحد اعتبارك .. وكنت أعمل كأنني في مصر, إذ منذ خرجت ظلت مصر في داخلي.
- هل تشعرين الآن أن اعتبارك رد إليك؟
رد اعتباري جاء بمعجزة, لأنني ومنذ 25 يناير.. كنت أري آية من آيات الله في مصر وكلما شاهدت جثة شهيد كانت الدموع تحرق وجهي, لأن الشهداء والثوار هم الذين أعادوني لوطني, ويوم أن استرجعت مصر حريتها استرجعت أنا حريتي, وأنا أنتمي إلي جيل حاول, لكن الجبروت والظلم كانا أقوي منا بكثير.
- منذ متي بدأت مشاكلك؟
منذ كنت في A,R,T... لأنني قلت للشيخ صالح كامل إن هناك 3 أشياء تثير الانتباه, لكن من المحرمات في بلادنا وهي السياسة والجنس والدين.
فقال لي جملة لن أنساها :اعملي يا هالة وكتاب الرقابة الخاص بك هو القرآن الكريم, وأي موضوع ناقشه القرآن قابل للنقاش علي الشاشة, فبدأت بحلقات عن أن الطلاق يبدأ من الفراش بهدف التقليل من حالات الطلاق, وحين قدمت حلقات عن الانحراف الجنسي كان هدفي التحذير من ترك الأطفال مع أي غريب, وفي المقابل قدمت حلقات عن الخطة السرية لهدم المسجد الأقصي, وأذيعت في منتصف التسعينيات وقدمتها ناشيونال جغرافك .. قدمتها في عام 2007 وكنت أول من قدم علماء الدين في البرامج الاجتماعية أمثال خالد الجندي وجمال البنا وعبدالمنعم البري ويوسف البدري.
- إذن .. أين المشكلة مع النظام السابق؟
حاورت أكثر من 7 آلاف شخص من خيرة عقول مصر, وسقط في جحري الكثير من الأسرار, ووثق في كثير من المصادر, ومنحوني الكثير من الأسرار التي رفضت البوح بها, إلا أنني قلت في إحدي الجلسات أنني أتمني لو نشرت كتاب عن هذه الأسرار, وسبق أن بحثت عن الهاربين بأموال مصر وسجلت 13 حلقة مع أشرف السعد, وكانت هذه الحلقات هي أول سكينة وضعت علي رقبتي, لأنه حدثني عن أسرار خطيرة تخص رجال ونساء مهمين في النظام السابق.
- ماذا حدث في دريم؟
لم يكن الأستاذ .. محمد حسنين هيكل يظهر علي القنوات المصرية, فذهبنا إليه مرات عديدة في برقاش وتمكنا من إقناعه, وكانت حلقاته بداية الثورة علي النظام السابق, لكن الذروة حدثت عند محاضرته التي قدمها في الجامعة الأمريكية وتحدث فيها عن التوريث, وكان مصطلح التوريث.. يظهر لأول مرة إذ قال :إن التوريث مرفوض في مصر.. فمصر ليست مملكة ولا مشيخة ولا قبيلة ولا نقبل بفكرة التوريث.. وأنا أقول للرئيس مبارك لابد أن تأتي بنائب لك من الآن وإلا سيسقط سقف المعبد, وأنا أرجوك أن تعمل حسابك علي ذلك.. فانفتحت شهية الشباب وطرحوا أسئلة مهمة, وأصبحت الحلقة ساخنة جدا, وأخذت الشرائط وطرت إلي دريم, ولكني سألت د.أحمد بهجت عن الحلقة فوافق علي الإذاعة, فقدمنا الحلقة 3 مرات, وفي اليوم التالي كنت أحضر حلقة نناقش فيها ما جاء في المحاضرة, وقبل موعد الحلقة استدعاني صفوت الشريف, وقال لي بغضب شديد إلا مؤسسة الرئاسة.. وستدفعين ثمن هذا الخطأ.. وتم إلغاء الحلقة وعدم إذاعة المحاضرة مرة أخري.
وفي اليوم التالي انفجرت الصحف بمانشتات حمراء :فضائح هالة سرحان مع العادة السرية.. ولم تتحدث أية صحيفة عن حلقة هيكل.. وفي الوقت نفسه تم استدعاء بهجت من السفر, وفتحت له مشكلات البنوك.. فقال لي: إنت جبت لي مصيبة.. فقررت الاعتذار عن العمل في دريم وقبل أن أذهب إلي الدكتور بهجت شاهدت علي شاشة دريم.. عبارة تم وقف جميع برامج هالة سرحان.. وفي اللحظة نفسها حدثني الأمير الوليد بن طلال طالبا منه الحضور إلي المملكة في أول طائرة, وفي الصباح كانت الصحف تحتفي بفصلي من دريم .. لذا سألني الأمير.. لماذا يفعلون ذلك معكم.. وقال لي.. أنا سأنشر في كل الصحف أنني وقعت عقدا معك.
- هل المشكلة في إذاعة محاضرة هيكل.. فقط؟
ليست هذه هي المشكلة الوحيدة, إذ سبق أن قدمت حلقات عن التطبيع وأخري عن المبيدات المسرطنة, وقدمت في التليفزيون المصري 4 حلقات من برنامج يا ناس يا هو.. وفي حلقة عن البطالة استضفت خالد صالح ليقدم مشهد التصاق الكرسي بالمسئول, فاستدعاني صفوت الشريف ووبخني قائلا: أنا والرئيس منذ سنوات, ونحن في الحكم.. فهل الرئيس لاصق في الكرسي؟
ثم اخبرتني سهير الأتربي, وكانت رئيسة التليفزيون وقتها أنها لن تستطيع إذاعة البرنامج بهذا الشكل فاعتذرت, وبعد ذلك طلب مني أنس الفقي تقديم برنامج في التليفزيون المصري وأخبرني أن ذلك سوف يقطع ذراع الأمير الوليد في مصر, وستوقف الإعلانات ولن تذهب إليه.
- لماذا تثار حولك كل هذه المشكلات؟
أنا أحب كشف الجروح, لكي أعالجها وأطهرها, وفي هذا الإطار قدمت حلقات عن الفتيات اللاتي يعملن ليلا, ومن قبل قدمت حلقات عن تزوير الانتخابات والبلطجة السياسية والحاكم الطاغية وثقافة القطيع والطائفية والمختل عقليا .. قلت عنه إنه من تدبير الشرطة, وفي كل هذه الحلقات كنا ننتقد الحاكم الطاغية والشرطة المستبدة.
كل هذا كان ينتظر شعرة .. ليقصموا ظهري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
لادراج تعليق :-
اختر " الاسم/عنوان url " من امام خانة التعليق بأسم ثم اكتب اسمك ثم استمرار ثم التعليق وسيتم نشرة مباشرة